المقدمة
بناء العلاقات وتنميتها من الركائز الهامة جداً في العمل الحر، التي تؤثر بشكل جذري و تلقائي في تطور العمل بشكل عام، و خصوصاً في الأعمال الحرة، لأن العمل الحر يعتمد أساساً على من يقوم بالعمل بشكلٍ مباشر، بخلاف الشركات العملاقة والمؤسسات العريقة التي تمتلك طاقماً مهيكلاً من الموظفين الذين يقومون بشتى مختلف الأعمال، بهذا لا يكون الحمل و العبء مفصلياً على شخص بحد ذاته كما هو الحال عند العامل الحر.
علاقة العامل الحر بالعملاء
من المؤكد أن المادة الأساسية للعمل الحر هم الناس، فمن دون الناس لا يمكن لهذا العمل أن ينجح بأي حال من الأحوال، لأن العمل الحر لا يقوم إلا بوجود عملاء لخلق فرص تجارية و استثمارية أفضل، ولذلك فإن فهم ومعرفة مبادئ بناء العلاقات لا شك بأنه ضروري لنجاح العمل، وبشكل خاص الأعمال التي تتميز بامكانية عملها عن بعد أو التي لا تتطلب مواجهة الأشخاص وجها لوجه، لان التعامل مع العميل عن بعد يخلق نوعا ما من الحواجز التي تشكل صعوبات في التواصل.
أهمية عامل الثقة في بناء العلاقات
لا يخفى على أحد ممن له أقل الاطلاع على سوق العمل بشكل عام أن عامل الثقة يشكل محوراً أساسياً لنجاح أي عمل، فالأشخاص القائمون على الأعمال الحرة بحاجة لزرع الثقة العميقة في قلوب عملائهم الحاليين أو المستقبليين، وإقناعهم في مدى جودة و نجاح المشاريع التي يعملون عليها، وكما ذكرت الكاتبة Dixie Gillaspie المهتمة بشؤون العمل الحر وريادة الأعمال في المقال المعنون (لماذا الثقة هي أهم جزء في المعرفة والإعجاب والثقة)، أن الذي يهم فعلاً هو عدد الأشخاص الذين يثقون بك، بغض النظر عن عدد العلاقات بشكل عام.
خطوات في كيفية تقوية بناء العلاقات
الناس عادة يميلون إلى التعامل مع من يعرفونهم مسبقاً ويثقون بهم، فقد تبين لنا أن بناء علاقات صحية سليمة في مجال العمل الحر هي استراتيجية عمل ناجحة، والسؤال الذي يظهر أمامنا الآن هو: كيف تبني علاقات عمل قويةٍ و فعالة؟
هناك خمس خطوات لتقوية أي نوع من العلاقات ذكرت في المقال المسمى (إرشادت لإقامة علاقات في العمل الحر)، تعمل الخطوات التالية بشكل جيد سواء كانت في العلاقات الواقعية أو علاقات القائمة في فضاء الإنترنت، وغالباً سوف تحتاج أولاً إلى تقوية العلاقات القائمة والعمل على المحافظة عليها، بعد ذلك يجب أن تعمل على التغلب على التحديات التي تواجه العلاقات الجديدة والحالية.
- انظر إلى الناس كأفراد بحد ذواتهم، يجب عليك أن تعرف عملائك جيداً، وتميزهم عن بعضهم البعض من خلال إنشاء ملفات تعريفية متضمنة جميع المعلومات المهمة، وأن تكون قادرة على اكتشاف حاجات العميل المتوقعة، فحاول دائما ملاحظة الأشخاص من معارفك في جميع الوجهات ومختلف الأنحاء.
- حاول أن تشارك طابعك الشخصي مع العملاء المحتملين، شاركهم أحداث الحياة المهمة للمحافظة على اسمك وصورتك في ذاكرة العميل، كما أن تهنئة العميل على الإنجازات المهنية أو ذكرى العمل قادر على خلق صورة مميزة لك في ذهن العميل. يمكن أن يساعدك برنامج إدارة علاقات العملاء Customer relationship management (CRM) على مواكبة التطورات مثل Pipedrive، Salesforc،HubSpot CRM، كما أن منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بالأعمال أيضاً مثل LinkedIn قد تساعدك في نشر الذكرى السنوية للعمل والإنجازات.
- انتبه جيدا، يدمر الكثير من الناس العلاقات بجعل كل شيء يتعلق بما يجب أن يقولوه، حاول أن تستفسر و تزيد معرفتك عن ملابسات أو المعلومات المبهمة، لا تجعل من سوء الفهم مدخل في هدم العلاقة، وضح موقفك في جميع الأحوال.
- تعرف على حاجات العميل، إذا بدأت في تسجيل الملاحظات ومراجعتها أثناء تعاملك مع العملاء ستبدأ في فهم رغبات العملاء الخاصة بشكل أفضل وهذا ما سوف يساعدك في بناء العلاقات، ستعرف ما يريدون بصورة أدث وما يحتاجون إليه حتى وإن لم يستطيعوا شرحه بشكل واضح. ستساعدك هذه المعرفة على العمل معهم بشكل أكثر فاعلية في كل مرة تقومون فيها بالعمل معًا.
- احترم الحدود، بينما يجب أن تكون ودوداً مع عملائك وتتجاوز الشكل الرسمي في بعض من الأحيان، إلا أن هناك حدودًا، عميلك ليس هو الشخص الذي ستتصل به في الثالثة صباحًا عندما تكون خائفًا أو مريضًا.
حضور الأحداث المتعلقة بالأعمال الحرة لكسب المعارف و تطوير العلاقات
في الوقت الراهن، التواصل من خلال مختلف برامج التواصل عبر الانترنت ومما لا شك فيه له فوائد جمة لا تحصى، حيث أصبح العالم بالفعل قرية صغيرة جداً، وأصبح عامل العولمة مفعَّلاً بشكل لم يكن له مثيل من قبل، فعلى سبيل المثال التعرف على الثقافات، وعادات، و قيم، والرؤى المتعددة، زاد في خلق أفكار إبداعية تجارية أو صنع منتجات مميزة كثيرة، ولكن اللقاءات وجها لوجه بصورة فزيائية لها تأثير بطريقة لا يمكن تخيلها، وفقاً لموقع U.S small business administration فقد ذكر في المقال المعنون (بناء الأعمال من خلال شبكة العلاقات)، أن لا يجب عليك التخلي عن منصات التواصل الإجتماعي التي طورتها على مدار الوقت، ولكن الطرق القديمة للتواصل ما زالت فعالة إلى حد كبير للغاية، ووضع المقال عشر خطوات في بناء العلاقات على أرض الواقع:
- ضع أهدافاً واضحة المعالم للتواصل، أي نشاط تجاري يحتاج إلى تحديد أهداف قابلة للقياس حتى تتمكن من تحديد أفضل استراتيجية ممكنة للتواصل، هل تريد لإضافة عدد جهات اتصال جديدة شهريًا؟ هل ترغب في الحصول على عدد من العملاء المتوقعين المؤهلين؟ هل تريد العثور على مورد أو بائع جديد لسلعة معينة؟ يعد تحديد الأهداف أيضًا أمرًا أساسيًا لتحديد كيفية تقييم نجاح شبكة العلاقات الخاصة بك.
- ضع استراتيجية، الآن بعد أن عرفت أي نوع من الأشخاص المحتملين تريد مقابلته، اكتشف و ابحث عن المنظمات والأحداث التي من المحتمل أن يحضروها. هل هناك مجموعات تجارية صناعية رئيسية يجب أن تحضر مؤتمراتها؟
- حدد الوقت المطلوب، قدر الوقت الذي تحتاج إلى تكريسه للتواصل لتحقيق أهدافك، ومقدار الوقت الذي يمكنك أن تقضيه بشكل واقعي حقيقي، واعتمادًا على أهدافك، قد ترغب في التركيز على منظمة واحدة أو نشر جهودك بين عدة مجموعات، مهما كانت خططك، لا تتبع نهجاً متبعثراً، أعط كل مجموعة حقها فيما لا يقل عن محاولتين أو ثلاث قبل أن تقرر مدى قيمتها بالنسبة لك.
- كن مستعداً دائماً، عندما تحضر حدثا لعلاقة ما، يجب عليك أن تكون على أهبة الاستعداد ومجهزاً بكل ما قد تحتاج إليه من بطاقات العمل، عرض تقديمي، وصف موجز من جملة واحدة أو جملتين لعملك والذي يجب أن ينقل بوضوح ما تفعله، وأن يكون مثيراً للاهتمام بدرجة تجعل الناس يرغبون في معرفة المزيد، ولا تنسى أن تحمل أقلامًا لتدوين الملاحظات على ظهر بطاقات العمل.
- التواصل الفعال، من الجيد دائمًا حضور حدث مع صديق يشاركك في المؤتمرات، ولكن إذا فعلت ذلك ، فتأكد إن قضاء معظم الوقت مع أشخاص تعرفهم مسبقاً يضعف من غرضك الأساسي من الحدث وهو بناء العلاقات، حدد هدفاً لمقابلة عدد معين من الأشخاص الجدد في كل حدث، وإذا كنت قلقاً بشأن الرفض، وهذا الإحتمال وارد في هذا السياق، فحاول تحية الناس الجدد في الحدث المعني، سيكونون ممتنين ، نظرًا لأنك تقابل أشخاصًا جدداً باستمرار، ستجد أنه لم يعد لديك هذا الدافع للتراجع إلى منطقة الأمان مع الوجوه المألوفة، وستجد المزيد من الأشخاص الذين يرغبون في مقابلتك.
- استمع جيداً، الاستماع هو من أهم الأسرار في تحقيق و زيادة المبيعات ، وهو أيضا سر النجاح في بناء العلاقات، عندما تقابل شخصًا جديدًا ، حاول أولا طرح العديد من الأسئلة واستمع بإنصات و تركيز إلى الإجابات. ستجد أنه إذا استمعت له بعناية فائقة، ستكتسب شيئين، أولاً ستكتشف الاحتياجات التي يمكن لعملك سدها، ثانيًا، ستكتسب سمعة جميلة كمستمع ومتحدث رائع.
- خذ دورا قياديًا، بمجرد أن تقرر الانضمام إلى منظمة ، لا تكتفي بالجلوس والاسترخاء. انضم إلى لجنة أو تولى دورًا قياديًا. من خلال القيام بذلك، ستتعلم المزيد، وستقابل المزيد من الأشخاص، وستجعل نفسك شخصاً لا يُنسى، وليس مجرد وجه آخر في الحشد.
- المتابعة، يمكنك الذهاب إلى لقاءات كثيرة جداً حدثاً تلو الحدث للتواصل، ولكن إذا لم تجتهد في متابعة جهات الاتصال التي بنيتها مسبقاً، فكل جهدك سوف يذهب في مهب الريح، تابع بإستمرار جهات الاتصال الجديدة بطريقة ما، حتى لو كانت مجرد رسالة بريد إلكتروني سريعة توضح مدى روعة مقابلتهم، اتخذ إجراء فورياً في المبادرة بالحديث، يساعد التصرف في غضون 48 ساعة على ترسيخ عقل الشخص الآخر ويبدأ في بناء العلاقة.
- الدمج بين الأسلوب القديم و الحديث، ادمج جهات اتصالك في العالم الحقيقي مع شبكات التواصل الاجتماعي الخاصة بك، عندما تقابل شخصًا ما في حدث ما، تابع ذلك بدعوة للتواصل غالبا على LinkedIn أو Twitter، وبالمثل يمكن أن يكون الالتقاء بجهات الاتصال الخاصة بك على الإنترنت في العالم الحقيقي، بهذه الطريقة الرائعة يمكنك الارتقاء بهذه العلاقات إلى المستوى التالي.
- المحافظة على العلاقات القائمة، كما هو الحال مع كل الأشياء التي تستحق الإنجاز في الحياة ، فإن المفتاح الحقيقي للتواصل الناجح هو المثابرة، عندما تتعرف على المزيد من الأشخاص وتحافظ على هذه العلاقات وتنميها ، ستتوسع دائرة معارفك بشكل تلقائي، أثناء قيامك بالأعمال الحرة مع أناس جدد، سينمو عملك مأكداً بشكل كبير أيضاً.
هل ممارس العمل الحر يتعاون مع عمال مستقلين آخرين؟
في العمل الحر ليس فقط العملاء أو الزبائن هم المعنيين في تكوين شبكات التواصل، بل أن الممارسين للعمل الحر يستعينون ببعضهم البعض لإنجاز المشاريع، في كثير من الأحيان لا يستطيع العامل الحر إنجاز جميع مهام المشروع بنفسه ويضطر إلى أن يعمل مع مجموعة صغيرة من العمال المستقليين لإنجاز المشروع بكفاءة وجودة أكبر، بسبب نقص الخبرة في مجال معين أو عدم امتلاك المهارات المطلوبة جميعها، وعلى هذا الأساس يطلب العامل الحر من عامل آخر للتعاون معه لإكمال المشروع، ومن فوائد تعاون العمال المستقلين، يستطيع أن يستفيد الأشخاص في مجالات مختلفة من العمل الحر للتعلم و صقل المهارة، وإضافة على ذلك إتقان التخطيط وإدارة العمل للتأكد من إنجاز المشروع بصورة سلسلة و ناجحة، كما هو المذكور في المقال المعنون: (دليل في كيفية التعاون مع زملائك ممارسي العمل الحر).
دليل احترافية ممارس العمل الحر هو بناء العلاقات
العمل الحر المسمى باللغة الانجليزية (freelancing) كما هو معروف، في الحقيقة يتميز بشقين رئيسيين، الأول يعتبرون أنهم موظفين بسبب إمضاء ساعات طويلة في علاقتهم المديدة مع العملاء، ومن الناحية الأخرى اعتبارهم رواد أعمال لأنهم يتحملون المخاطر العالية، فهم بحاجة الى بناء العلاقات الوثيقة وتوطيدها لأجل منع أو تقليل المخاطر المحتملة بحيث يكون العمل بصورة احترافية متقنة. تبعاً لذلك فإن بناء العلاقات يؤدي إلى النجاح المهني بالتأكيد في العمل الحر، ودليل على احترافية صاحب العمل بناء على المقال (هل أصحاب العمل الحر مستقلون و دور سلوكهم في نجاحهم المهني).
فقد ذكر في هذا البحث العلمي المعنون “معرفتي ومعرفتك” أهمية العلاقات بالنسبة للأعمال الحرة خاصة بالعاملين لحسابهم الخاص، وتمت دراسة العينة 1874 من أصحاب الأعمال الحرة في مختلف الدول الأوروبية، لإختبار عدة عوامل ومن ضمنها دور بناء العلاقات و تمتنيتها و تعزيزها، وتوصل البحث إلى نتيجة بأن بناء العلاقات يقود إلى النجاح الحاسم في الأعمال حرة.
الخاتمة
يمكن القول أن المحافظة على عملائك أكثر أهمية من أي جانب آخر قد يذكر، على هذا النحو يجب أن يكون تواصلك مع العملاء بطريقة مميزة، فهي لا شك مصدر نجاح مؤكد. في هذا المقال استقصينا عن أهمية عامل بناء العلاقات في مدخل العمل الحر، في البداية تكلمنا عن الحاجة الضرورية إلى تكوين شبكة العملاء لتنمية نشاط العمل، وأن العمل الحر يحتاج إلى الإبداع والإجتهاد، بعد ذلك الثقة هي المادة و الوقود الضروري للإستدامة في العلاقات القائمة، وخطوات العمل على التقوية بناء العلاقات، أيضاً استعراضنا فعالية الأساليب القديمة في التواصل وأثرها المهم على تطوير العلاقات، وإن وضوح هيكلة العلاقات تدل على احترافية صاحب العمل الحر، و مهما امتد الوقت في عدم الحصول على نتائج واضحة فإن العلاقات الكامنة لها أثر كبير في نجاح العمل مستقبلاً.