المقدمة:
في كل بيئة عمل، يمكننا تحديد مجموعة من السمات التي يمكن أن يتّصف بها كل موظف من مهارات، خبرات، سلوكيات، وتقنيّات تجعل منه أكثر كفاءةً وملائمةً لهذا المنصب الوظيفي، منها ما هو فطري وموجود في الأشخاص منذ ولادتهم، ومنها ما هو مكتسب عبر مختلف المحطات الحياتية والوقفات العلمية والعملية، وكذلك التجارب الاجتماعية.
ولأنه من الصعب جدًا أن يتمكن كل فرد من اقتحام العمل الحر، ويصبح فردًا مستقلًا بين ليلة وضحاها، من غير أن يجد في نفسه الأهليّة للقيام بمثل هذا التحدي، جديرٌ بنا الوقوف على تعريف هويّة هذه الشخصية المستقلّة، وأهميتها، وكذلك كيفية بناءها وطرق تعزيزها عن طريق منصات التواصل الاجتماعي، وسنستعرض القواعد الذهبية العشر لنجاحها والتي ستكون بوصلة النجاح في أداء وسير هذا العمل، وبعد ذلك سنطرح بعض التحديات التي يمكن أن تواجه الشخصية المستقلة في العمل الحر.
تعريف الهويّة الشخصية (التسويق الشخصي) للمستقلين:
يمكننا تعريف الهويّة الشخصية للمستقلين كما ذكرت في موقع العلامة التجارية الشخصية بأنها شخصية تمتلك رسالة محددة وشغف مستمر، وبناءً على الخبرات والكفاءات التي تمتلكها اكاديميًا، عمليًا، اجتماعيًا، وفكريًا، فإنها ترغب في تحقيق دخل مادي عن طريق تقديم بعض الخدمات أو المنتجات.
ونستطيع القول أن الهويّة الشخصية للمستقلين، يجب أن تكون قادرة على الاستجابة للمتغيرات ومواجهة التحديّات، وأن تحمل تصورًا كافيًا وانطباعًا عميقا عن سوق العمل الحر وأسراره، كي تتمكن من صعود سلم النجاح و السعي حثيثًا لتحقيق مساعيها بإذن الله تعالى.
أهميّة الهويّة الشخصية للمستقلين:
وللهوية الشخصية للمستقلين أهمية فائقة، فتعالوا نستعرض أهم ٤ أسباب تجعلها مهمة كما جاء ذكرهم في مقال كتبه آدم هايتسمان بعنوان ما هي الهوية الشخصية ولماذا هي مهمة ؟
أنها تساعدك على طرح مميّز عن الآخرين:
إنّ بناء الهوية الشخصية للمستقلين يتيح لك فرصة الظهور المتميز لجماهيرك، وطرح قدراتك المعرفية و إظهار خبراتك في هذا المجال، وبالتالي سيكون لهذه الهويّة طابع مختلف عند الآخرين، وهذا الطابع هو في نفسه الدافع لنجاح هذه الهوية.
أنها تساعد في خلق الفرص:
هنالك فرص عديدة يمكن للهوية الشخصية أن تخلقها، كمقابلات العمل، التدريب، المحاضرات، فرص التواصل، التعاون والشراكات، و غيرها مما يشكّل اللبنات الأساسية لنجاح هذه الهوية.
وهذه الفرص ستساعد أيضًا بشكل فعال في تحقيق الأهداف الشخصية والمهنية.
أنها تلهم جمهورك الثقة:
لا يثق كثير من الناس وبالخصوص جيل الألفية أي مواليد ( ١٩٨١-١٩٩٦ ) في بعض الشركات الكبيرة التي تستخدم الإعلانات الترويجية التقليدية، ولكنها تتأثر بشكل كبير بالأشخاص الذين يتحدثون ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي مثلهم، بدلًا من كيان كبير ولكنه مجهول.
فمن الضروري أن تحافظ على الهوية الشخصية كي تلهم جمهورك الثقة بما تعمل، لأنه سيكون تحت اسمك بشكل مباشر.
شخص ما سيقوم دائمًا بالبحث عنك:
من البديهي جدًا وفي زمن سرعة الحصول على المعلومة والبيانات، سيقوم العديد من الناس بالبحث عن هويتك على الانترنت، للتأكد من سمعتك و جودة عملك، لذلك عليك تطوير نتائج البحث التي ستظهر للباحثين، والتأكد من أنها إيجابية.
كيفية بناء هوية شخصية للمستقلين
هنالك 6 خطوات رئيسية لبناء الهوية الشخصية للمستقلين، كما وردوا مقال كتبته آنا لوندبرج حول أسرار الهوية الشخصية وهي :
افهم سبب بناء هويتك الشخصية: من الضروري أن تتساءل ماهي الدوافع والأسباب التي تجعلك بحاجةٍ لبناء هويتك الشخصية، أن تسأل نفسك ما هو النقص أو العجز الموجود في السوق وتريد أن تحلّه وتصنع اسمك من خلاله وتبني سمعتك بنفسك.
تحكّم بالأداء والصورة والعرض: إن التحكم بهذه الأضلاع الثلاثة مهم جدًا، فلا يكفي أن تعمل لكي تنجح، ولا يكفي أن تعمل و تُحسّن من جودة أدائك لكي يظهر بصورة تليق بك وحسب، وإنما كل ذلك مضافًا لطرق العرض الجذّابة والتي تترك أثرًا عميقًا في نفوس عملائك الذين تسعى بأن يبحثوا هم عنك بدلًا من أن تبحث عنهم.
ابحث عن قصّة لهويتك وأنشئ إطار عملك: يتكون إطار العمل أو قصة الهوية من عناصر رئيسية، أهمها: الغرض من العلامة، فما هو هدفك العام الذي تحاول تحقيقه؟ وما هي القيم الجوهرية التي تزيد من قوّة هويتك وتسعى للحصول عليها أكثر من أي شيء آخر، الإبداع والابتكار، النزاهة، الاحترام، الانضباط، حاول التوصل لخمس قيم أساسية.
يجب أن يكون هنالك وضوح في الفوائد التي ستقدمها لعملائك وأن تسرد نقاط القوة لديك، والأفضل أن تكون مدعمة بأدلة ملموسة كمشاريع ناجحة، أو أوسمة وجوائز قد حزت عليها بهذا الخصوص.
قم بتقييم هويتك الشخصية بوضعها الحالي: من البديهي أنك عندما تود البحث عن شيء ما فإن أول محرك بحث ستتوجه إليه هو قوقل، فإنه الأداة الأسرع للوصول للنتائج المطلوبة، بحيث أنه سوف يربطك بالمنصات الأخرى المتشعبة، ومن خلاله ستعرف بالضبط ما يظهر للآخرين، وتقوم بتطويره وتحسينه.
قم ببناء كيان إلكتروني لهويتك: لا بد أن تنشئ وتحدّث شبكتك الإلكترونية، بشكل لائق وسلس يسهل من خلاله التنقل بين القوائم والخدمات، ومن الضروري أن تنشئ محتوى ذا صلة بما تعمل كنوع من التعريف بهويتك، وهذا لا يقتصر على المحتوى المكتوب وحسب، وإنما تستطيع أن تصنع محتوى مسموعًا أو مرئيًا إن أحببت، فالمهم هو بناء الصورة الذهنية التي يجب أن تبقى في أذهان عملائك.
اتبّع استراتيجيّة الهوية الشخصية: أيًا كانت التنسيقات والأعمال التي تقوم بها، يجب أن تتأكد من أن ما يتم طرحه سواء في مدونتك أو حتى تغريدة على حسابك إنما بقصد منك لأن كل منشور سيشكّل جزءًا من الصورة الانطباعية التي تريد إيصالها لعملائك، فوجود استراتيجيّة واضحة سوف يبقيك على المسار الصحيح ويضمن لك الوصول للمكان الذي تريده بإذن الله.
تعزيز الهوية الشخصية عن طريق منصات التواصل الاجتماعي:
في ظل التوجّه الرقمي الكبير والموجة الإلكترونية سريعة الانتشار، لا يمكننا أن نتخيل هوية شخصيّة بدون أثر يربطها بمنصات التواصل الاجتماعي، لما لها من حضور وظهور كبيرين لدى جميع أطياف المجتمع أيًا كانت الفئة المستهدفة لخدماتك أو منتجاتك، وقد وردت بعض النصائح بهذا الخصوص في مقال آنا لوندبرج بعنوان أسرار الهوية الشخصية وهي:
- ضرورة وجود حسابات فعّالة ومحدثة تتيح لعملائك الوصول إليك بسهوله لطلب ما تقدّم أو الاستفسار عن أمر ما، يجعلك محل ثقة ومصدر أمان لديهم.
- يجب أن تكون حساباتك مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بعملك، فلا تختلط فيها الحياة الاجتماعية بالعمل والعكس، فهذا التشتت قد يزعج البعض في الحصول على ما يريد من حساباتك.
- اختيارك للكلمات المفتاحية وحسن استعمالك لها في طرح محتواك يجعل منها أكثر رواجًا وانتشارًا على شبكة الانترنت، مما يسهل الحصول على العملاء بشكل أسرع.
- الاستفادة من منصات التواصل الاحترافية مثل لينكدن، لما تحتويه من شخصيات مهمة قد تقدم لك المساعدة في الحصول على عملاء آخرين، وبذلك سوف تنمو شبكة علاقاتك وسوف تتطوّر مهارات التواصل لديك.
- نشر كل محتوى بالطريقة التي يتناسب مع المنصة نفسها، فلا يمكننا أن نطرح المنشورات الكتابية كما هي في كل المنصات، فسيكون ذلك مملًا بعض الشيء للعملاء وإنما يكون هناك تنوّع في أشكال ومحتويات هذا الطرح لجذب العملاء بشكل أكبر.
القواعد الذهبية العشر لنجاح الهوية الشخصية
وجديرٌ بنا أن نقف على قواعد النجاح العشر للهوية الشخصية كما ذكرته جولدي شان في مقال لها بهذا الصدد وهي :
ركّز: كثير من الناس لا يركزون، على الرغم من أنهم يحملون مواهب وكفاءات ولكن عدم التركيز يجعل من كل هذه الكفاءات تذهب في مهب الريح، فالتركيز على هدف معين ومحدد يجعل السير لتحقيقه واضحاً جدًا فلا مجال للحياد عنه، بعكس الفكرة المتشعبة فهي تفتقد للتركيز ويصعب تطبيقها والتحكم بها.
كن صادقًا: أسهل قاعدة يمكن تطبيقها هي الصدق، أن تكون أصيلاً في ما تطرح، لأن الناس ليسوا حمقى، ويمكنهم بسهوله كشف الخداع إذا أرادوا ذلك، فربما تبني اسمًا و ثقة تمتد لسنوات ولكنك تهدم كل ذلك بسبب موقف لم تكن فيه صادقًا فيمحو كل ما بنيته، ولا تنسى أن السمعة الجيدة هي التي تجعل هويتك أقوى وهذا لن يتحقق إلا بالصدق في كل الحالات.
حدّث بقصة: يتفاعل كثير من الناس بسرد قصة الهوية الشخصية، لأنهم يستشعرون حجم العمل والتحديات وكأنهم معك منذ البداية، أما إذا كنت تتحدث في فضاء واسع دون أن تجعل هنالك روابط نفسية وحقيقية بينك وبين عملائك فإنك لن تستطيع أن تترك أثرًا في نفوسهم.
كن متّسقًا: كونك متسقًا يشبه إلى حد كبير أن تركز فيما تعمل، ولكن إضافة إلى التركيز لا بد أن تحافظ على الوعد الذي تقدمه هويتك الشخصية وأن يبقى ثابتًا فلا تُشعر عملائك أنك متذبذب في طرحك، بل من الضروري أن تتحرك في سياق واضح ومنظم.
كن مستعدًا للفشل: كلّنا لا نحب أن نفشل، ولكن علينا تقبّل هذه النتيجة وإن كانت مرّة، فالفشل وارد بطبيعة الحال، فلا بد أن يكون الفشل سيناريو مطروح لكي تكون على استعداد مخطط للتعامل معه، ولا شك أن الفشل هو محطة وقوف وتأمل وتعلّم من هذه الأخطاء التي أدّت لهذه النتيجة، والكثير من الناجحين قد مرّوا بهذه التجربة البئيسة ولكنهم تجاوزوها وحققوا مساعيهم فيما بعد.
اخلق تأثيرًا ايجابيًا: لا بد أن تحيط نفسك بالأجواء الإيجابية، وإن لم تتوفر لك عليك خلقها بنفسك، فإن استمرار هويتك الشخصية قائم على إيمانك المستمر بها و شعورك الإيجابي تجاهها في كل الحالات، وهذا بالطبع ينعكس على عملائك أيضًا.
قم بالتسويق لنفسك: من الضروري جدًا أن تقوم بتسويق هويتك الشخصية عن طريق البدء في تسويق نفسك كالمشاهير أو المؤثرين، مما يجعلك أكثر ظهورًا في أذهان الآخرين، فنجاحك كفرد مؤثر يعني بشكل طردي نجاح هويتك الشخصية.
عِش هويتك الشخصية: لا بد أن تكون هويتك الشخصية مرتبطة بأسلوب حياتك الذي تمارسه بشكل يومي، وهذا هو الدافع والشغف الذي سيجعلك تستمر وتبدع وتبتكر لأنك ستكون يقظ طوال الوقت، ولن تشعر بالملل تجاه ما تفكر به من تطوير أو تحسين.
دع الآخرين يروون قصتك: كما ذكرنا سابقًا أن ربط الهوية الشخصية بقصة يجعل الآخرين ينشدون لها أكثر من غيرها، بحيث يعيشون تفاصيلها معك، وبعد ذلك يحدثون ويروون للآخرين ما سمعوه منك، وهذا بطبيعة الحال يدفع عجلة الانتشار للوصول لأكبر فئة عن طريق العملاء أنفسهم.
اترك إرثًا: بمجرد أن تبني السمعة الجيدة لهويتك الشخصية فإن الخطوة التالية هي التفكير في الإرث الذي ستتركه وراءك، فما هي الأفكار والأفعال التي تود أن تكون مذكورًا بها وتبقى عالقة في أذهان الناس، فكل هذه الانطباعات تعد إرثًا لهويتك الشخصية لكل عملائك.
الخاتمة :
وختامًا إن الاستقلالية في بناء هوية شخصية، ثقافة ومَلَكة يولد بها الإنسان ولكنه ينمّيها ويطورها، عبر كل وسائل التعلم والتقنية للوصول للأهداف المنشودة، ففي هذه الوقفة استعرضنا معًا تعريف الهوية الشخصية وما لها من أهميّة فائقة في صناعة علاقة وطيدة بين العميل و الهويّة نفسها، و ذكرنا الخطوات المتبّعة لبناء هذه الهوية الشخصية، وكيفية تعزيز حضورها على منصات التواصل الاجتماعي والاحترافي، وأخيرًا استعرضنا القواعد الذهبية العشر لنجاح الهويّة الشخصية.
ولا ننسى أن توفر كل هذه المعطيات وتحققها على أرض الواقع وانطباقها على أحد ما لن يكون إلا بتوفيق من الله تعالى وحده.